Sponsor

Breaking News
Loading...

الزواج: خيار الشرط

خيار الشرط

الفرق بين شرط الخيار وبين خيار الشرط أنّه في الأوّل أخذ الخيار شرطاً في متن العقد، فتقول المخطوبة: زوّجتك نفسي على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، ويقول الخاطب: قبلتُ. أو تقول: زوجتك نفسي، ويقول هو: قبلتُ على أن يكون لي الخيار مدة كذا. فيؤخذ الخيار في فسخ الزواج شرطاً في متن العقد، وهذا الشرط يبطل العقد بالاتفاق، كما قدّمنا.

أمّا خيار الشرط فلا يؤخذ نفس الخيار شرطاً في العقد، بل يؤخذ فيه وصف معيّن، كما لو اشترط الخاطب أن تكون المخطوبة بكراً، أو اشترطت هي أن يكون معه شهادة جامعية، بحيث إذا لم يوجد الوصف جاز للآخر أن يفسخ العقد، وقد اختلفت المذاهب في ذلك.

قال الحنفية: إذا اشترط أحد الزوجين في متن العقد شرطاً سلبياً، كالسلامة من العمى أو المرض، أو ايجابياً، كاشتراط الجمال أو البكارة، وما إلى ذلك، ثم تبين العكس يصحّ العقد، ولا ينفذ الشرط إلاّ إذا اشترطت هي شرطاً يعود إلى الكفاءة، كاشتراط النسب أو الحرفة أو المال فيحق لها الفسخ مع تخلف الشرط، أمّا هو فلا ينفذ


شيء من شروطه؛ لأنّ الكفاءة شرط في الزوج لا في الزوجة كما تقدم.

وقال المالكية والشافعية والإمامية والحنابلة: يصحّ الشرط، وإذا تبين العكس كان المشترط بالخيار بين الرضى وفسخ العقد؛ للحديث الشريف: (المسلمون عند شروطهم)؛ ولأنّ مثل هذا الشرط لا يتنافى مع طبيعة العقد، ولا يخالف كتاب الله وسنّة الرسول، أي لا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً.

التدليس:

تكلم الإمامية في هذا الباب عن تدليس المرأة على الرجل، وذلك أن تخفي عنه نقصاً موجوداً فيها، أو تدّعي كمالاً غير موجود. أمّا الصورة الأُولى - وهي أن تخفي النقص وتسكت عنه -: فلا يحق للرجل أن يفسخ العقد إذا لم يشترط عدم وجوده بطريق من الطرق، فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق: في الرجل يتزوج إلى قوم، فإذا امرأته عوراء، ولم يبيّنوا له. قال: (لا تُرد). وعلى هذا جميع المذاهب.

أمّا الصورة الثانية - وهي أن تدّعي كمالاً غير موجود -: فإذا أُخذت صفة الكمال شرطاً في العقد جاء الكلام السابق من أنّه لغو عند الحنفية صحيح عند غيرهم، وإن لم تؤخذ شرطاً في العقد، فإمّا أن تُذكر فيه على سبيل الوصف، وإمّا أن تُذكر قبل العقد ثم يبتني العقد عليها. فهنا حالتان:

١ - أن تُذكر صفة الكمال وصفاً في العقد، كما لو قال وكيل الزوجة: زوّجتك البنت البكر، أو البنت السالمة من كل عيب. وقال الإمامية: إذا ظهر أنّها غير متصفة بالوصف المذكور في العقد، كان للزوج الخيار.

٢ - أن لا تُذكر صفة الكمال شرطاً ولا وصفاً في العقد، بل تُذكر عند التداول في حديث الزواج، كما لو قالت هي أو وكيلها: إنّها بكر ولا عيب فيها، وما إلى ذلك، ثمّ وقع العقد مبنياً على ذلك بحيث يكون المفهوم من العقد أنّه جرى على البنت المتصفة بهذه الصفة الخاصة. ولم أرَ فيما لدي من المصادر مَن تعرّض لهذه الحالة غير الإمامية، وقد اختلف فقهاؤهم في ثبوت الخيار للزوج، فمنهم مَن قال: له الخيار، ومن هؤلاء السيد أبو الحسن الأصفهاني في كتاب الوسيلة؛ لأنّ تواطؤ العاقدين وتباينهما على الوصف ثمّ ابتناء العقد عليه يجعله كالشرط الضمني في العقد. ومنهم مَن قال: لا أثر للتباني ما دام لم يُذكر الوصف في العقد، ولم يدل عليه بطريق من الطرق. وإلى هذا ذهب الشهيد الثاني في المسالك: (وقوفاً فيما خالف الأصل على المتيقن)، أي لا نرفع اليد عن لزوج العقد إلاّ بدليل قاطع، وهو غير موجود.

والخلاصة: إنّ الوصف إذا أُخذ في العقد بأحد الطرق الثلاث - أي شرطاً أو وصفاً أو إخباراً - قبل العقد فللزوج أن يختار الفسخ أو الرضى بالزواج، فإن رضي به فليس له أن ينقصها شيئاً من مهرها مهما كان العيب، إلاّ إذا اشترط كونها بكراً فوجدها ثيباً، فله - والحال هذه - أن ينقص من مهرها بنسبة التفاوت بين مهرها بكراً ومهرها ثيباً عند الإمامية.

وإذا اختار فسخ الزواج، فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها عند الإمامية وغيرهم ممّن أجازوا الفسخ، وإن كان بعد الدخول كان لها مهر المثل، ولا يرجع بشيء على الذي غره عند الشافعية.

وقال الإمامية: ينظر، فإن كانت هي التي غررت بالزواج فلا تستحق شيئاً من المهر، حتى مع الدخول، وإن كان الذي غرر به غيرها فلها المهر المسمّى كاملاً، ويرجع هو بما دفعه على مَن غره؛ لقاعدة المغرور يرجع على مَن غره.

وهنا مسائل:

١ - إذا تبين لأحد الزوجين بعد العقد أنّ في صاحبه نقصاً، وادعى أنّ العقد جرى على انتفاء النقص بأحد الطرق الثلاث، وأنكر الآخر، كلّف الأوّل بالإثبات، فإن أثبت يقرر القاضي له حق الفسخ، ومع عجزه عن الإثبات يحلف المنكِر، ويرد القاضي الدعوى.

٢ - إذا تزوج امرأة على أنّها بكر بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة، فوجدها ثيباً فلا يحق له الفسخ إلاّ إذا ثبت أنّ الثيبوبة كانت متقدمة على العقد، ويثبت سبقها على العقد بإقرار الزوجة أو بالبينة أو بقرائن الأحوال المفيدة للعلم، كما لو دخل بها بعد العقد بمدة لا يحتمل تجدد الثيبوبة فيها.

وإذا اشتبه الحال، ولم نعلم بطريق من الطرق: هل كانت متقدمة على العقد أو متأخرة عنه؟ فلا يثبت الخيار للزوج؛ لأصالة عدم تقدم الثيبوبة، ولا مكان تجددها بسبب خفي، كالركوب والنزوة. (المسالك للشهيد الثاني ج٢ باب الزواج من فقه الإمامية).

٣ - قال السيد أبو الحسن الأصفهاني في كتاب الوسيلة باب الزواج من فقه الإمامية: لو تزوج رجل فتاة ولم تكن البكارة قد ذُكرت في مقدمات الزواج، ولم يقع العقد مبنياً عليها، ولم تكن شرطاً ولا وصفاً في متن العقد، وإنّما تزوجها باعتقاد أنّها بكر؛ لأنّها لم تتزوج أحداً غيره من قَبل، وبعد العقد ثبت أنّها كانت ثيباً قبل العقد، فليس للزوج أن يفسخ الزواج، كما هي الحال لو أُخذت البكارة بأحد الطرق الثلاث، بل له أن ينقص من مهرها شيئاً، وهو نسبة التفاوت بين مهر مثلها بكراً ومهر مثلها ثيباً، فإذا كان المهر المسمّى مئة، وكان مهر مثلها بكراً ثمانين وثيباً ستين، ينقص من المئة الربع ٢٥ ويبقى ٧٥.

وعلى هذا، فللبكارة عند السيد المذكور أربع حالات:


١ - أن تؤخذ شرطاً في متن العقد.

٢ - أن تؤخذ وصفاً فيه.

٣ - أن تُذكر عند حديث الزواج، ويبتني عليها العقد.

٤ - أن يتزوجها باعتقاد البكارة دون أن يسبق لها ذكر لا قبل العقد ولا في متنه. وفي الحالات الثلاث يثبت للزوج الخيار، وفي الحالة الرابعة لا خيار له، بل ينقص من المهر شيئاً على النحور المتقدم.

0 comments:

Post a Comment

Highlights

Copyright © FIQH: Comparative Islamic Law All Right Reserved