Sponsor

Breaking News
Loading...

الوصايا

الوصايا

أجمعوا على صحة الوصية وجوازها في الشريعة الإسلامية، وهي تمليك عين أو منفعة مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، وتصحّ في حالة الصحة والسلامة من الأمراض، وفي مرض الموت وغيره، وحكمها في الحالين سواء عند الجميع.

أركان الوصية:


أركان الوصية أربعة: الصيغة، والموصي، والموصى له، والموصى به.

الصيغة:

ليس للوصية لفظ خاص، فتصحّ بكل لفظ يعبّر عن إنشاء التمليك بعد الموت تبرعاً، فإذا قال الموصي: (أوصيت لفلانٍ بكذا) دلّ اللفظ بنفسه على الوصية دون أن يقيد بما بعد الموت، أمّا إذا قال: إعطوا أو إدفعوا، أو جَعلتُ، أو لفلان كذا، فلا بدّ من التقييد بما بعد الموت؛ لأنّ اللفظ لا يدل على قصد الوصية بدونه.


وقال الإمامية والشافعية والمالكية: إذا اعتقل لسان المريض تصحّ وصيته بالإشارة المفهمة. ونقل الشعراني في ميزانه عن أبي حنيفة وأحمد عدم صحة الوصية في هذه الحال. وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية نقلاً عن الحنفية والحنابلة: (إنّه إذا طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فلا تصحّ وصيته إلاّ إذا استمر زمناً طويلاً، فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالإشارة المعهودة، وحينئذ تكون إشارته وكتابته كالنطق).

ونقل الشعراني عن أبي حنيفة والشافعي ومالك: (إنّه لو كتب وصيته بخطه، وعلم أنّها بخطه ولكن لم يشهد فيها، لم يُحكم بها - أي لو وجدت وصية بخطه، ولم يكن قد أشهد عليها، ولا أقرّ بها أمام الناس لا تثبت الوصية مع العلم بصدورها عنه -.

وقال أحمد: بل يُحكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها).

وقال المحققون من فقهاء الإمامية: تثبت الوصية بالكتابة؛ لأنّ ظواهر الأفعال حجة كظواهر الأقوال، والكتابة أخت اللفظ في الدلالة على ما في النفس، بل هي أدلّ وأولى من سائر القرائن(١) .

الموصي:

اتفقوا جميعاً على أنّ وصية المجنون في حال جنونه والصبي غير المميّز لا تصحّ. واختلفوا في وصية الصبي المميّز، فقال المالكية والحنابلة والشافعي في أحد قوليه: تجوز وصية مَن أتمّ عشر سنين؛ لأنّ الخليفة عمر أجازها.

وقال الحنفية: لا تجوز إلاّ إذا أوصى بتجهيزه ودفنه. ومعلوم أنّ

____________________

(١) الجواهر باب الوسيلة.


هذا لا يحتاج إلى وصية.

وقال الإمامية: تجوز وصيته في وجوه البر والإحسان، ولا تجوز في غيرها؛ لأنّ الإمام الصادق أجازها في ذلك. (الجواهر، والأحوال الشخصية لأبي زهرة).

وقال الحنفية: (إذا أوصى البالغ حال إفاقته، ثمّ جن، فإن كان جنونه مطبقاً واستمر ستة أشهر بطلت الوصية، وإلاّ فلا، وإذا أوصى وهو سليم، ثمّ طرأ عليه وسواس حتى صار معتوهاً، واستمر كذلك حتى مات بطلت الوصية. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية).

وقال الإمامية والمالكية والحنابلة: لا تبطل الوصية بعروض الجنون، وإن دام حتى الممات؛ لأنّ العوارض اللاحقة لا تبطل التصرفات السابقة.

وقال الحنفية والشافعية والمالكية: تجوز وصية السفيه.

وقال الحنابلة: تجوز في ماله، ولا تجوز على أولاده، فلو أقام وصياً عليهم لا يُعمل بوصيته. (الأحوال الشخصية لأبي زهرة، والفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية).

وقال الإمامية: لا تجوز وصية السفيه في أمواله، وتجوز في غيرها. فإذا أقام وصياً على أولاده صحّت الوصية، وإذا أوصى بإعطاء شيء من ماله بطلت. وتفرّد الإمامية بالقول: إنّ مَن أحدث بنفسه حدثاً بقصد الانتحار، ثمّ أوصى ومات بعد الوصية بطلت وصيته، أمّا إذا أوصى أوّلاً ثمّ انتحر صحّت الوصية.

وقال المالكية والحنابلة: لا تصحّ وصية السكران.

وقال الشافعية: لا تصحّ وصية المغمى عليه، وتصحّ وصية السكران المعتدي بسكره، أي مَن سكر باختياره.

وقال الحنفية: لا تصحّ وصية الهازل والمخطئ والمكرَه. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٣ باب الوصية).


وقال الإمامية: لا تصحّ وصية السكران والمغمى عليه، ولا الهازل، ولا المخطئ ولا المكرَه.

الموصى له:

اتفق الأربعة على عدم جواز الوصية لوارث إلاّ إذا أجاز الورثة.

وقال الإمامية: تجوز للوارث وغير الوارث، ولا تتوقف على إجازة الورثة ما لم تتجاوز الثلث، وكان عمل المحاكم في مصر على المذاهب الأربعة، ثمّ عدلت عنها إلى مذهب الإمامية، وما زال عمل المحاكم الشرعية السنّية في لبنان على عدم صحة الوصية للوارث، ومنذ بضع سنوات قدّم قضاتها مشروعاً إلى الحكومة يجيز الوصية لوارث، ورغبوا إليها في تبنّيه.

واتفقوا جميعاً على أنّ للذمي أن يوصي لمثله ولمسلم، وعلى أنّ للمسلم أن يوصي للذمي؛ لقوله تعالى:( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (٨ - ٩ الممتحنة).

واختلفوا في صحة الوصية من مسلم لحربي(١) ، فقال المالكية والحنابلة وأكثر الشافعية: تصحّ.

____________________

(١) الذمي: هو الذي يدفع الجزية للمسلمين. أمّا الحربي عند الإمامية: فهو الذي لا يدفع الجزية وإن لم يحارب، وعند سائر المذاهب مَن شهر السلاح، وقطع السبيل. (البداية والنهاية لابن رشد ج٢ باب الحرابة). وقال الشهيد الثاني في المسالك باب الوصية: تصحّ الوصية لكل مَن لم يقاتلنا في الدين ذمياً كان أو حربياً؛ لقوله تعالى:( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ ) الآية، ولقول الإمام الصادق: (إعطِ الوصية لمن أُوصي له، وإن كان يهودياً أو نصرانياً، إنّ الله يقول:( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ولم يفرّق بين الحربي وغيره).


وقال الحنفية وأكثر الإمامية: لا تصحّ. (المغني ج٦، والجواهر ج٤ باب الوصية).

واتفقوا على صحة الوصية للحمل بشرط انفصاله حياً؛ لأنّ الوصية تجري مجرى الميراث، والحمل يرث بالإجماع، فيجب أن يملك الموصى به أيضاً.

واختلفوا: هل يُشترط وجود الحمل حال الوصية أو لا؟

قال الإمامية والحنفية والحنابلة والشافعي في أصحّ قوليه: يُشترط ذلك، ولا يرث إلاّ إذا عُلم أنّه كان موجوداً حين الوصية، ويحصل العلم بذلك إذا وضعته حياً في مدة تقلّ عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها زوج متمكن من مقاربتها، وإذا ولدته لستة أشهر أو أكثر لم يُعطَ الحمل شيئاً من الوصية لجواز تجدده، والأصل عدم الحمل حين الوصية. وهذا القول يبتني على عدم جواز الوصية للمعدوم.

وقال المالكية: تصحّ الوصية للحمل الموجود فعلاً، ولمن سيوجد في المستقبل، حيث ذهبوا إلى جواز الوصية للمعدوم(١) . (تذكرة الحلّي، والفقه على المذاهب الأربعة، والعدة في فقه الحنابلة باب الوصية).

وإذا أوصى للحمل فولدت ذكراً وأنثى قُسّم الموصى به بينهما بالسوية؛ لأنّ الوصية عطية لا ميراث، فأشبه ما لو أعطاهما شيئاً بعد ولادتهما.

واتفقوا على صحة الوصية للجهات العامة، كالفقراء والمساكين، وطلبة العلم، والمساجد والمدارس، واستثنى أبو حنيفة الوصية للمسجد وما إليه؛ لأنّ المسجد لا أهلية له للتمليك، وقال صاحبه محمد بن

____________________

(١) ومن فقهاء الإمامية الشيخ أحمد كاشف الغطاء يوافق المالكية على جواز الوصية للمعدوم، حيث قال في وسيلة النجاة باب الوصية: لا مانع من أن يُنشئ الموصي التمليكَ معلقاً على وجود الموصى له، فلا يملك إلاّ بعد الوجود، كا هي الحال في الوقف. ولكن قيّد ذلك بعدم قيام الإجماع على خلافه.

الحسن: تصحّ، ويُصرف ناتج الموصى به في مصالح المسجد. وعلى هذا جرت سيرة المسلمين في شرق الأرض وغربها قديماً وحديثاً(١) .

واختلفوا فيما إذا كان الموصى به شخصاً معيناً: هل يُشترط القبول، ويكفي عدم الرد؟ قال الإمامية والحنفية: يكفي عدم الرد، فإذا سكت الموصى له، ولم يرد الوصية يملك الشيء الموصى به عند موت الموصي.

وقال الإمامية: إذا قَبِل في حياة الموصي فله الرد بعد موته، وإذا ردّ فله القبول أيضاً بعد الموت، إذ لا أثر للرد ولا للقبول في حال الحياة لعدم تحقق الملك. وقال الحنفية: إذا ردّ في الحياة فله القبول بعد الموت، وإذا قَبِل في الحياة فليس له الرد.

وقال الشافعية والمالكية: لا بدّ من القبول بعد الموت، ولا يكفي السكوت وعدم الرد. (تذكرة الحلّي، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الأربعة: إذا مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية، لأنّ الوصية عطية صادفت المعطي ميتاً فتبطل. (المغني ج٦ باب الوصية).

وقال الإمامية: إذا توفي الموصى له قبل الموصي، ولم يرجع الموصي عن وصيته قام ورثة الموصى له مقامه، ومثّلوا دوره في القبول والرد، فإذا لم يردّوا كان الموصى به ملكاً خاصاً بهم يقتسمونه بينهم قسمة ميراث، ولا يجب عليهم أن يفوا منه ديون مورّثهم، ولا أن ينفّذوا منه وصاياه، واستدلوا بأنّ القبول حق للمورث فينتقل هذا

____________________

(١) يختلف معنى المِلك باختلاف ما يُنسب إليه، فاذا نُسب إلى الإنسان يكون معناه السلطة والتصرف فيه كيف يشاء، وإذا نُسب إلى المسجد يكون معناه اختصاص فائدته به، ولا معنى لقول مَن قال: إنّ للمسجد وما إليه شخصية معنوية تصلح للإمتلاك والتمليك.

الحق لورثته كخيار الرد، كما استدلوا بروايات عن أهل البيت(١) .

وقال مالك والشافعي في أحد قوليه: تصحّ الوصية للقاتل سواء أكان القتل عمداً أم خطأ.

وقال الحنفية: تصحّ مع إجازة الورثة، وتبطل بدونها.

وقال الحنابلة: تصحّ إن حصلت بعد الجرح الذي أفضى إلى الموت، وتبطل إن حصل القتل بعد الوصية. (أبو زهرة الأحوال الشخصية باب الوصية).

وقال الإمامية: تصحّ الوصية للقاتل ولغيره؛ لأنّ أدلة جواز الوصية عامة، فقوله تعالى:( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) يشمل القاتل وغيره، والاختصاص بغير القاتل يحتاج إلى دليل.

الموصى به:

اتفقوا على أنّ الشيء الموصى به يجب أن يكون قابلاً للتمليك، كالمال والدار ومنافعها، فلا تصحّ الوصية بما لا يقبل التمليك عرفاً كالحشرات، أو شرعاً كالخمر إذا كان الموصي مسلماً؛ لأنّ التمليك أُخذ في مفهوم الوصية، فإذا انتفى لم يبقَ لها موضوع.

واتفقوا على صحة الوصية بثمرة البستان سنة معينة، أو دائماً.

وتوسّع الإمامية في مفهوم الوصية إلى أقصى الحدود، وأجازوا فيها ما لم يجيزوه في البيع ولا في غيره، حيث ذهبوا إلى صحة الوصية بالمعدوم

____________________

(١) ويلزم الإمامية أنّه إذا رد الموصى له الوصية في حياة الموصي، ثمّ مات الموصى له بعد الرد وبعده مات الموصي، يلزمهم أن ينتقل القبول إلى الوارث في مثل هذه الحال؛ لأنّهم قالوا: لا أثر للرد ولا للقبول في حياة الموصي، ومن هنا التزم بعض علمائهم بذلك، وقال بانتقال حق القبول للوارث في مثل هذه الحال.

المتوقع الوجود، وبما لا يقدر الموصي على تسليمه كالطير في الهواء والحيوان الشارد، وبالمجهول كالوصية بثوب أو حيوان، بل قالوا يجوز أن يتوغل الموصي في المبهمات إلى حد بعيد، فيقول: إعطوا فلاناً شيئاً أو قليلاً أو كثيراً أو جزءاً أو سهماً أو نصيباً(١) ، وما إلى ذلك، كل هذه لا يجوز فيها البيع، وتجوز فيها الوصية. وقال صاحب الجواهر: (لعلّ ذلك كله لعموم أدلة الوصية الشاملة لذلك كله، ولكل حق قابل للانتقال بل لعلّ الضابط في الوصية تعلّقها بكل شيء إلاّ ما علم خلافه)، أي ما خرج بالدليل كالخمر والخنزير والوقف، وحق القصاص وحد القذف، وما إلى ذاك. وقال بعضهم: لا يجوز بيع الفيل، وتجوز الوصية به.

وقال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب الأحوال الشخصية باب الوصية: (توسع الفقهاء في أحكام الوصية، وأجازوا فيها ما لم يجيزوه في غيرها، كالوصية بالمجهول، فإذا أوصيت بسهم أو بطائفة أو بشيء أو بقليل، وما إلى ذلك صحّت الوصية، وكان للورثة أن يعطوه أيّ قدر شاؤوا ممّا يتحمله اللفظ).

وهذا يتفق مع مذهب الإمامية، وعليه تكون هذه المسألة محل وفاق.

____________________

(١) في الشرائع والمسالك والجواهر أنّ الوصي إذا أوصى بلفظ مجمل لم يفسره الشرع رجع في تفسيره إلى الوارث، فإذا قال: إعطوه حظاً من مال، أو قسطاً، أو نصيباً، أو قليلاً، أو كثيراً وما إلى ذلك ممّا لا مقدّر له لغة وعرفاً وشرعاً، أعطاه الوارث كل ما يصدق عليه التموّل.

0 comments:

Post a Comment

Highlights

Copyright © FIQH: Comparative Islamic Law All Right Reserved