Sponsor

Breaking News
Loading...

الخُلع

الخُلع

الخُلع: إبانة الزوجة على مال تفتدي به نفسها من الزوج. وهنا مسائل:

هل يُشترط في الخلع كراهية الزوجة للزوج؟


إذا تراضيا على الخلع، وبذلت مالاً كي يطلّقها، والحال عامرة، والأخلاق ملتئمة بينهما، فهل تصحّ المخالعة؟

قل الأربعة: يصحّ الخلع، وتترتب عليه جميع الأحكام والآثار، ولكنّهم قالوا: إنّه مكروه(١) .

وقال الإمامية: لا يصحّ الخلع، ولا يملك المطلّق الفدية، ولكن يصحّ الطلاق، ويكون رجعياً مع اجتماع شرائطه؛ واستدلوا بأحاديث عن أئمة أهل البيت، وبالآية ٢٢٩ من سورة البقرة:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) ، حيث علّقت الآية جواز الفدية على الخوف من الوقوع في المعصية إذا استمرت الزوجية.

____________________

(١) فرق الزواج للأستاذ الخفيف ص١٥٩ طبعة ١٩٥٨.


المخالعة على أكثر من المهر:

اتفقوا على أنّ الفدية يجب أن تكون ذات قيمة، وأنّه يجوز أن تكون بمقدار المهر أو أقلّ أو أكثر.

شروط عوض الخلع:

قال الأربعة: يصحّ الخلع مع غير الزوجة، فإذا قال أجنبي للزوج: طلّق امرأتك بألف عليَّ، وطلّقها على ذلك صحّ، وإن لم تعلم الزوجة ولم ترضَ بعد العلم، ووجب على الأجنبي أن يدفع المبلغ للمطلّق. (رحمة الأُمة وفرق الزواج للأستاذ الخفيف).

وقال الإمامية: لا يصحّ الخلع، ولا يجب على الأجنبي أن يدفع شيئاً، أجل، يصحّ أن يضمن الأجنبي الفدية بإذنها، فيقول للزوج طلّقها بكذا وعليَّ ضمان المبلغ بعد أن تأذن هي بذلك، فإن طلّق على هذا الشرط وجب على الضامن أن يدفع المبلغ للمطلّق ويرجع به على المطلّقة.

ثمّ إنّ كل ما يصحّ أن يكون مهراً يصحّ أن يكون فدية في الخلع بالاتفاق، ولا يُشترط أن يكون معلوماً بالتفصيل إذا آل أمره إلى العلم، مثل: أخلعني على ما في البيت أو في الصندوق أو على ميراثي من أبي أو ثمرة بستاني.

وإذا وقع الخلع على ما لا يُملك كالخمر والخنزير، قال الحنفية والمالكية والحنابلة: إذا كانا يعلمان بالتحريم يصحّ الخلع، ولا يستحق المطلّق شيئاً، فيكون خلعاً بلا عوض. وقال الشافعية: يصحّ، ولها مثل المهر. (المغني ج٧).

وقال أكثر الإمامية: يبطل الخلع، ويقع الطلاق رجعياً إذا كان
مورداً له، وإلاّ كان بائناً، وفي جميع الحالات لا يستحق المطلّق شيئاً.

وإذا خالعها على ما يعتقد أنّه حلال، فتبين أنّه حرام، كما لو قالت له: اخلعني على هذا الدن من الخل فظهر خمراً، قال الإمامية والحنابلة: يرجع عليها بمثله خلاً. وقال الحنفية: يرجع عليها بالمهر المسمّى. وقال الشافعية: يرجع عليها بمهر المثل.

وإذ خالعته على مال باعتقاد أنّه لها فبان لغيرها، قال الحنفية وأكثر الإمامية: إذا أجاز المالك صح الخلع، وأخذ الزوج المال، وإن لم يجز كان له البدل من المثل أو القيمة. وقال الشافعية: له مهر المثل استناداً إلى قاعدة عندهم، وهي: (متى ذكر بدل فاسد يبطل البدل، ويثبت مهر المثل.) (مقصد النبيه). وقال المالكية: يقع الطلاق بائناً، ويبطل العوض، وليس للمطلّق شيء حتى ولو أجاز المالك. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤).

وإذا خالعته على إرضاع ولده ونفقته مدة معينة صح ولزمها القيام بالرضاع والنفقة بالاتفاق. وصرح الحنفية والمالكية والحنابلة بأنّه يصحّ للحامل أن تخالع زوجها على نفقة الحمل الذي في بطنها، تماماً كما تصحّ المخالعة على نفقة الولد الموجود. ولم أرَ فيما لدي من مصادر الإمامية والشافعية مَن تعرّض لذلك، ولكنّ القواعد الشرعية لا تمنع منه؛ لأنّ السبب موجود وهو الحمل، ولأنّ تعهدها بمنزلة الشرط على نفسها بأنّ الولد إذا خُلق حياً لزمها أن تقوم بإرضاعها ونفقته مدة معينة، والمسلمون عند شروطهم ما لم يحلّل الشرط حراماً، أو يحرّم حلالاً، وهذا الشرط سائغ في نفسه، ولا يستدعي أيّ لازم باطل، ويجب الوفاء لأنّه أُخذ في عقد لازم. أمّا الجهل بكونه يولد حياً أو ميتاً، وعلى فرض أنّه وِلد حياً ربّما لا يبقى المدة المتفق عليها، أمّا هذا الجهل فيُغتفر في الخلع.

وأقصى ما يمكن أن يبرر به المنع وعدم الجواز هو قياس التعهد بالنفقة على الإبراء منها، فاذا كان الإبراء منها غير جائز لأنّه إسقاط
لغير الواجب، فكذلك التعهد بالنفقة لا يجوز؛ لأنّها غير واجبة فعلاً. ولكنّ الفرق كبير جداً بين التعهد والإبراء إذ لا بدّ أن يكون الإبراء من شيء موجود ومتحقق بالفعل، أمّا التعهد فلا يلزم فيه ذلك. هذا وقد سبق الكلام في باب الزواج عن الخلع على إسقاط حق الأب أو الأُم على حضانة الولد.

(فرع) إذا خلعها على نفقة الولد، ثمّ عجزت عن الإنفاق عليه، فلها مطالبة أبيه بالنفقة، ويجيز عليها، ولكنّه يرجع على الأُم إذا أيسرت، وإذا مات الولد أثناء المدة المعينة كان للمطلّق استيفاء المدة الباقية منها؛ لعموم قوله تعالى:( فِيمَا افْتَدَتْ بِه ) ، والأولى للمرأة أن تتعهد برضاع الولد ونفقته في المدة المعينة ما دام حياً، وحينئذ لا يحق للمطلّق الرجوع عليها بشيء إذا مات الولد.

شروط الزوجة المخالعة:

اتفقوا على أنّ الزوجة المخالعة يجب أن تكون بالغة عاقلة. واتفقوا أيضاً على أنّ السفيهة لا يصحّ خلعها من غير إذن الولي، واختلفوا في صحة الخلع إذا أذن لها الولي، فقال الحنفية: إن التزم الولي الأداء من ماله الخاص صح الخلع، وإلاّ بطل البذل، ووقع الطلاق على أصحّ الروايتين. (أبو زهرة).

وقال الإمامية والمالكية: مع إذن الولي لها بالبذل يصحّ الخلع من مالها هي لا ماله هو. (الجواهر، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال الشافعية والحنابلة: لا يصحّ الخلع من السفيه مطلقاً، أذِنَ الولي لها أو لم يأذن، واستثنى الشافعية صورة واحدة، وهي: إذا خشي الولي أن يبدد الزوج أموالها، فحينئذ يأذن لها الولي بالاختلاع منه صيانة لمالها. ثمّ إنّ الشافعية قالوا: يفسد الخلع، ويقع الطلاق رجعياً. وقال الحنابلة: لا يقع خلعاً ولا طلاقاً إلاّ أن ينوي الزوج الطلاق من الخلع، أو يكون الخلع بلفظ الطلاق.

وإذا خالعت المرأة وهي في مرض الموت صح الخلع عند الجميع، ولكن اختلفوا فيما إذا بذلت أكثر من ثلث مالها، أو كان المبذول أكثر من ميراثه منها على فرض موتها في العدة، وقلنا بالتوارث بينهما في هذه الحال:

قال الإمامية والشافعية: إن خالعته بمهر مثلها جاز، ونفذ من الأصل، أمّا إذا زاد عن مهر المثل فتخرج الزيادة من ثلث المال.

وقال الحنفية: يصحّ الخلع، ويستحق المطلّق العوض بشرط أن لا يزيد عن الثلث، ولا عن نصيبه في الميراث إن ماتت أثناء العدة، أي يأخذ أقلّ المقادير الثلاثة من بدل الخلع وثلث التركة ونصيبه من الميراث، فإذ كان بدل الخلع ٥ ونصيبه ٤ والثلث ٣، استحق ٣.

وقال الحنابلة: إذا خالعته بمقدار ميراثه منها فما دون صح بكل ما خالعته عليه، وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة فقط. (المغني ج٧).

ثمّ إنّ الإمامية اشترطوا في المختلعة جميع ما اشترطوه في المطلّقة: من كونها في طهر لم يواقعها فيه إذا كانت مدخولاً بها، وغير آيسة ولا حامل، ولا صغيرة دون التسع، كما اشترطوا لصحة الخلع وجود شاهدين عدلين. أمّا بقية المذاهب فيصحّ الخلع عندها على أيّة حال تكون عليها المختلعة تماماً كالمطلّقة.

شروط الزوج المخالِع:

اتفقوا على اشتراط البلوغ والعقل في الزوج، ما عدا الحنابلة فانّهم قالوا: يصحّ الخلع من المميِّز كما يصحّ منه الطلاق. وتقدّم في أوّل الطلاق أنّ الحنفية يجيزون طلاق الهازل والمكرَه والسكران، وأنّ الشافعية
والمالكية يوافقونهم في طلاق الهازل. ويصحّ الخلع مع الغضب إذا لم يكن رافعاً للقصد.

واتفقوا على صحة الخلع من السفيه، ولكنّ المال يُسلّم إلى وليه، ولا يصحّ تسليمه له.

أمّا الخلع من المريض مرض الموت فيصحّ بلا ريب؛ لأنّه لو طلّق بغير عوض لصح، فالطلاق بعوض أولى.

صيغة الخلع:

أجاز الأربعة أن تكون الصيغة باللفظ الصريح، كالخلع والفسخ، وبالكناية مثل بارأتكِ وأبنتكِ. وقال الحنفية: يجوز بلفظ البيع والشراء، فيقول الزوج للزوجة: بعتكِ نفْسكِ بكذا. فتقول هي: اشتريتُ. أو يقول لها: اشتري طلاقك بكذا. فتقول قبلتُ. وكذلك عند الشافعية يصحّ أن يكون الخلع بلفظ البيع.

وأجاز الحنفية التعليق والخيار، والفاصل بين البذل والخلع، فلو كان الزوج غائباً وبلغه أنّها قالت: اختلعتُ نفسي بكذا وقَبِل لصح. وكذلك عند المالكية لا يضر الفاصل.

ويصحّ الخلع عند الحنابلة من دون نية إذا كان اللفظ صريحاً كالخلع والفسخ والمفادة، ولكنّهم اشترطوا اتحاد المجلس وعدم التعليق.

وقال الإمامية: لا يقع الخلع بلفظ الكناية، ولا بشيء من الألفاظ الصريحة إلاّ بلفظتين فقط، وهما: الخلع والطلاق، فإن شاء جمع بينهما معاً أو اكتفى بواحدة، فتقول هي: بذلتُ لك كذا لتطلّقني. فيقول هو: خلعتكِ على ذلك فأنتِ طالق - وهذه الصيغة هي الأحوط
والأولى عند جميع الإمامية -، ويكفي أن يقول لها: أنتِ طالق على ذلك، أو خلعتكِ على ذلك. ويشترط الإمامية الفور وعدم الفاصل بين البذل والخلع وأن يكون الخلع مطلقاً غير معلّق على شيء، تماماً كما هي الحال في الطلاق.

0 comments:

Post a Comment

Highlights

Copyright © FIQH: Comparative Islamic Law All Right Reserved