Sponsor

Breaking News
Loading...

العدة

العدة

أجمع المسلمون كافة على وجوب العدة في الجملة، والأصل فيه الكتاب والسنّة، فمن الكتاب قوله تعالى:( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ ) ، ومن السنّة قوله (صلّى الله عليه وسلّم): لفاطمة بنت قيس:(اعتدّي في بيت ابن أُم مكتوم) . ويقع الكلام في عدة مَن فارقها الزوج بطلاق أو فسخ، وفي عدة المتوفى عنها زوجها، وفي عدة مَن وطِئت بشبهة، واستبراء الزانية، وفي عدة زوجة المفقود.


عدة المطلَّقة:

اتفقوا على أنّ المطلّقة قبل الدخول والخلوة لا عدة عليها، وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: إن خلا بها الزوج ولم يصبها، ثمّ طلّقها فعليها العدة، تماماً كالمدخول بها. وقال الإمامية والشافعية: لا أثر للخلوة. وتقدّمت الإشارة إلى ذلك، كما أشرنا - عند تقسيم الطلاق إلى رجعي وبائن - إلى رأي الإمامية من عدم وجوب العدة على الآيسة المدخول بها، وما استندوا إليه من الدليل.

وكل فرقة بين زوجين ما عدا الموت فعدتها عدة الطلاق، سواء أكانت بخلع أو لعانٍ، أو بفسخ بعيب أو انفساخ برضاع أو اختلاف دين(١) .

ومهما يكن، فقد اتفقوا على وجوب العدة على مَن طُلّقت بعد الدخول، وأنّها تعتد بواحد من ثلاثة على التفصيل التالي:

١ - تعتد بوضع الحمل بالاتفاق إذا كانت حاملاً؛ لقوله تعالى:( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) . وإذ كان الحمل أكثر من واحد فلا تخرج من العدة إلاّ بوضع الأخير بالإجماع. واختلفوا في السقط إذا لم يكن مخلقاً - أي تام الخلقة - قال الحنفية والشافعية والحنابلة: لا تخرج من العدة بانفصاله عنها. وقال الإمامية والمالكية: بل تخرج، ولو كان قطعة لحم ما دام مبدأ إنسان.

وأقصى مدة الحمل عند الحنفية سنتان، وعند الشافعية والحنابلة أربع، وعند المالكية خمس كما في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، وعن مالك أربع كما في كتاب المغني، وتقدّم التفصيل في باب الزواج.

والحامل لا يمكن أن تحيض عند الحنفية والحنابلة، ويمكن أن تحيض عند الإمامية والشافعية والمالكية.

٢ - أن تعتد بثلاثة أشهر هلالية، وهي التي بلغت ولم ترَ الحيض أبداً، والتي بلغت سن اليأس(٢) . وحد اليأس عند المالكية سبعون سنة، وعند الحنابلة خمسون، وعند الحنفية خمس وخمسون، وعند الشافعية اثنتان وستون على الأصح، وعند الإمامية ستون للقرشية وخمسون لغيرها.

____________________

(١) قال الإمامية: إذا ارتد الزوج، وكان ارتداده عن فطرة اعتدّت زوجته عدة وفاة، وإن كان ارتداده عن ملة اعتدت عدة طلاق.

(٢) تقدّم أنّ الإمامية لا يوجبون العدة على الآيسة، ولكنّهم قالوا: إذا طلّقها ورأت حيضة ثمّ يئست أكملت العدة بشهرين. وقال الأربعة: بل تستأنف العدة بثلاثة أشهر، ولا تُحسب الحيضة من العدة.

أمّا الزوجة المدخول بها قبل أن تكمل التسع فقال الحنفية: تجب عليها العدة، ولو كانت طفلة. وقال المالكية والشافعية: لا تجب العدة على الصغيرة التي لا تطيق الوطء، وتجب على مَن تطيقه وإن كانت دون التسع. وقال الإمامية والحنابلة: لا تجب العدة على مَن لم تكمل التسع وإن طاقت الوطء. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ مبحث عدة المطلّقة الآيسة).

٣ - تعتد بثلاثة قروء، وهي مَن أكملت التسع ولم تكن حاملاً، ولا آيسة، وكانت من ذوات الحيض بالاتفاق. وقد فسر الإمامية والمالكية والشافعية القرء بالطهر، فإذا طلّقها في آخر لحظة من طهرها احتسب من العدة، وأكملت بعده طهرين. وفسره الحنفية والحنابلة بالحيض، فلا بدّ من ثلاث حيضات بعد الطلاق، ولا يحتسب حيض طُلّقت فيه. (مجمع الأنهر).

وإذا أخبرت المطلّقة التي اعتدّت بالأقراء بانقضاء عدتها تُصدّق إذا مضت مدة تحتمل انقضاء العدة، وأقلّ ما تُصدّق به المعتدة بالأقراء ستة وعشرون يوماً عند الإمامية ولحظتان، بأن يقدّر أنّه طلّقها في آخر لحظة من الطهر، ثمّ تحيض ثلاثة أيام، وهي أقلّ مدة الحيض، ثمّ ترى أقلّ الطهر وهو عشرة أيام عند الإمامية، ثمّ تحيض ثلاثة أيام، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيام، ثمّ تحيض، فبمجرد رؤية الدم الأخير تخرج من العدة، واللحظة الأُولى من الحيض الثالث لا بدّ منها للعمل بتمامية الطهر الأخير. ودم النفاس عند الإمامية كدم الحيض، وعليه يمكن أن تنقضي العدة بثلاثة وعشرين يوماً، كما إذا طلّقها بعد الوضع وقبل رؤية الدم، وبعد الطلاق رأت الدم لحظة، ثمّ مضى أقلّ الطهر عشرة أيام، ثمّ أقلّ الحيض ثلاثة، ثمّ أقلّ الطهر عشرة، فيكون المجموع ثلاثة وعشرين يوماً.

وأقلّ ما تُصدّق به عند الحنفية تسعة وثلاثون يوماً، بأن يقدّر أنّه طلّقها
في آخر الطهر، ويقدّر أقلّ مدة للحيض وهي ثلاثة أيام، وأقلّ مدة الطهر وهي خمسة عشر يوماً عند الحنفية، فثلاث حيضات بتسعة أيام يتخللها طهران بثلاثين يوماً فيكون المجموع تسعة وثلاثين.

أطول عدة:

قدّمنا أنّها إذا بلغت ولم ترَ الدم أصلاً فعدتها ثلاثة أشهر بالإجماع، أمّا إذا رأته ثمّ انقطع عنها بسبب رضاع أو مرض: فقال الحنابلة والمالكية: تعتد سنة كاملة. وقال الشافعي في الجديد من أحد قوليه: بل تبقى في العدة أبداً حتى تحيض، أو تبلغ سن الإياس، وتعتد بعدها بثلاثة أشهر. (المغني ج٧ باب العدد).

وقال الحنفية: إذا حاضت مرة واحدة ثمّ انقطع عنها الحيض لمرض أو رضاع، ولم تره أبداً فلا تنقضي عدتها حتى تبلغ سن اليأس، وعليه فقد تبلغ العدة عند الحنفية والشافعية أكثر من ٤٠ سنة. (الفقه على المذاهب الأربعة ج٤ مبحث عدة المطلّقة إذ كانت من ذوات الحيض).

وقال الإمامية: إذا انقطع الحيض عنها لعارض بعد رؤيته ثمّ طُلّقت تعتد بثلاثة أشهر، كالتي لم ترَ الحيض أصلاً، وإذا عاد إليها بعد الطلاق تعتد بأسبق الأمرين من ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء، بمعنى أنّه مضى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدتها أيضاً، وإن مضى ثلاثة أشهر بيض قبل أن تتم الأقراء انقضت عدتها أيضاً، وإن رأت الحيض قبل انقضاء الأشهر الثلاثة ولو بلحظة صبرت تسعة أشهر، ولا يجديها نفعاً أن تمرّ بعد ذلك ثلاثة أشهر بلا دم، وبعد انتهاء الأشهر التسعة فإن وضعت قبل انتهاء السنة خرجت من العدة، وكذلك إذا حاضت وأتمت الأطهار، وإذا لم تلد ولم تتم الأقراء قبل سنة اعتدّت
بثلاثة مضافة إلى التسعة، فيكون المجموع سنة كاملة، وهذه أطول عدة عند الإمامية(١) .

عدة الوفاة:

اتقوا على أنّ عدة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل، أربعة أشهر وعشرة أيام، كبيرة كانت أو صغيرة، آيسة أو غيرها، دخل بها أو لم يدخل؛ لقوله تعالى:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) . هذا إذ حصل لها الجزم بأنّها غير حامل، أمّا إذا ظنّت أو احتملت الحمل فعليها الانتظار حتى تضع أو يحصل الجزم بعدم الحمل عند كثير من فقهاء المذاهب.

وقال الأربعة: إنّ عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي بوضع الحمل، ولو بعد وفاته بلحظة، بحيث يحلّ لها أن تتزوج بعد انفصال الحمل ولو قبل دفن زوجها؛ لقوله تعالى:( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .

وقال الإمامية: إنّ عدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل والأربعة أشهر وعشرة أيام، فإن مضت الأربعة والعشرة قبل الوضع اعتدّت بالوضع، وإن وضعت قبل مضي الأربعة والعشرة اعتدّت بالأربعة والعشرة، واستدلوا على ذلك بضرورة الجمع بين آية( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) وآية( أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ، فالآية الأُولى جعلت العدة أربعة وعشرة، وهي تشمل الحامل وغير الحامل، والثانية

____________________

(١) نقل صاحب الجواهر وصاحب المسالك المشهور على ذلك عملاً بخبر سودة بن كليب، وقد أطالا الكلام في هذه المسألة، ونقلا أقوالاً غير مشهورة، وكثير من فقهاء الإمامية تجاهلها وأهملها.
جعلت عدة الحامل وضع الحمل، وهي تشمل المطلّقة ومَن توفّى عنها الزوج، فيحصل التنافي بين ظاهر الآيتين في المرأة الحامل التي تضع قبل الأربعة والعشرة، فمبوجب الآية الثانية تنتهي العدة؛ لأنّها وضعت الحمل، وبموجب الآية الأُولى لا تنتهي؛ لأنّ الأربعة والعشرة لم تنته، ويحصل التنافي أيضاً إذا مضت الأربعة والعشرة ولم تضع، فمبوجب الآية الأُولى تنتهي العدة؛ لأنّ مدة الأربعة والعشرة مضت، وبموجب الآية الثانية لم تنته؛ لأنّها لم تضع الحمل، وكلام القرآن واحد يجب أن يلائم بعضه بعضاً. وإذا جمعنا الآيتين هكذا ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ،وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) يكون المعنى: إنّ عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام لغير الحامل، وللحامل التي تضع قبل مضي الأربعة والعشرة وضع الحمل.

وإذا قال قائل: كيف جعل الإمامية عدة الحامل المتوفى عنها الزوج أبعد الأجلين، من وضع الحمل والأربعة والعشرة، مع أنّ آية( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) صريحة بأنّ الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل؟ أجابه الإمامية: كيف قال الأربعة: إنّ عدة الحامل المتوفى عنها الزوج سنتان إذا استمر الحمل هذه المدة مع أنّ آية( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) صريحة بأنّ العدة أربعة وعشرة، واذا قال القائل: عملاً بآية أُولات الأحمال، قال الإمامية عملاً بآية والذين يتوفّون. إذن لا مجال للعمل بالآيتين إلاّ القول بأبعد الأجلين.

واتفقوا على وجوب الحداد على المتوفى عنها زوجها كبيرة كانت أو صغيرة، مسلمة أو غير مسلمة، ما عدا الحنفية فإنّهم ذهبوا إلى عدم وجوبه على الذمية والصغيرة؛ لأنّهما غير مكلّفتين.

ومعنى الحداد: أن تجتنب المرأة الحادة على زوجها كل ما يُحسّنها،
ويُرغّب في النظر إليها، ويدعو إلى اشتهائها، وتشخيص ذلك يعود إلى أهل العرف.

قال الإمامية: إنّ مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه حاضراً كان الزوج أو غائباً، ومبدأ عدة الوفاة من حين بلوغها الخبر إذا كان الزوج غائباً، أمّا إذا كان حاضراً وافتُرض عدم علمها بموته إلاّ بعد حين، فمبدأ العدة من حين الوفاة على ما هو المشهور بين فقهاء الإمامية.

واتفقوا على أنّ المطلّقة طلاقاً رجعياً إذا توفي زوجها وهي في أثناء العدة فعليها أن تستأنف عدة الوفاة من حين موته، سواء أكان الطلاق في حال مرض الموت، أو في حال الصحة؛ لأنّ العصمة بينها وبين المطلّق لم تنقطع بعد، أمّا لو كان الطلاق بائناً فيُنظر، فإن كان قد طلّقها في حال الصحة أتمت عدة الطلاق، ولا عدة عليها بسبب الموت بالاتفاق، حتى ولو كان الطلاق بدون رضاها، وكذلك الحال إذا طلّقها في مرض الموت بطلب منها. أمّا إذا طلّقها في مرضه بدون طلب منها، ثمّ مات قبل أن تنتهي العدة فهل تتحول إلى عدة الوفاة كالرجعية، أو تستمر في عدة الطلاق؟

قال الإمامية والمالكية والشافعية: تمضي في عدة الطلاق، ولا تتحول إلى عدة الوفاة.

وقال الحنفية والحنابلة: بل تتحول إلى عدة الوفاة. فتلخّص أنّ المطلّقة الرجعية تستأنف عدة الوفاة إذا توفّي المطلّق قبل انتهاء العدة، والبائنة تستمر في عدة الطلاق باتفاق الجميع، ما عدا الحنفية والحنابلة فإنّهم استثنوا من البائنة ما إذا وقع الطلاق في مرض موت المطلّق بدون رضى المطلّقة.

عدة وطء الشبهة:

قال الإمامية: إنّ عدة وطء الشبهة كعدة المطلّقة، فإن كانت حاملاً اعتدّت بوضع الحمل، وإن كانت من ذوات القروء اعتدّت بثلاثة منها، وإلاّ فبثلاثة أشهر بيض، والشبهة عندهم الوطء الذي يعذر فيه صاحبه، ولا يجب عليه الحد، سواء أكانت الموطوءة ممّن يحرم العقد عليها كأخت الزوجة والمتزوجة، أو كانت ممّن يحلّ عليها العقد كالأجنبية الخلية. وقريب من هذا قول الحنابلة حيث ذهبوا إلى أنّ كل وطء يوجب العدة مهما كان نوعه، ولا يختلفون عن الإمامية إلاّ في بعض التفاصيل، وتأتي الإشارة إليها عند الكلام على عدة الزانية.

وقال الحنفية: تجب العدة بوطء الشبهة، وبالعقد الفاسد، ولا تجب بالعقد الباطل، ومثال الشبهة: أن يطأ نائمة بشبهة أنّها زوجته. والعقد الفاسد: أن يعقد على امرأة يحلّ له العقد عليها، ولكن لم تتحق بعض الشروط المعتبرة، كما لو جرى العقد بدون شهود. والعقد الباطل: أن يعقد على امرأة من محارمه كأخته وعمته. وعدة وطء الشبهة عندهم ٣ حيضات إن كانت تحيض وإلاّ فثلاثة أشهر إن لم تكن حاملاً، وإن تكنها فبوضع الحمل. (ابن عابدين، وأبو زهرة، والفقه على المذاهب الأربعة).

وقال المالكية: تستبرئ بقدر العدة ثلاثة قروء وإن لم تحض فبثلاثة أشهر، وإن حاملاً فبوضع الحمل.

ومهما يكن، فإذا مات الواطئ بشبهة فلا تعتد المرأة عدة وفاة؛ لأنّ العدة للوطء لا للعقد.

عدة الزانية:

قال الحنفية والشافعية وأكثر الإمامية: لا تجب العدة من الزنا؛ لأنّه لا حرمة لماء الزاني، فيجوز العقد على الزانية ووطؤها وإن كانت

حاملاً، ولكنّ الحنفية قالوا: يجوز العقد على الحُبلى من الزنا، ولا يجوز وطؤها، بل يدعها حتى تلد.

وقال المالكية: الوطء بالزنا تماماً كالوطء بالشبهة، فتستبرئ بقدر العدة إلاّ إذا أُريد إقامة الحد عليها فإنّها تستبرئ بحيضة واحدة.

وقال الحنابلة: تجب العدة على الزانية كما تجب على المطلّقة. (المغني ج٦، ومجمع الأنهر).

عدة الكتابية:

اتفقوا على أنّ الكتابية إذا كانت زوجة لمسلم فحكمها حكم المسلمة من حيث وجوب العدة عليها والحداد في عدة الوفاة، أمّا إذا كانت زوجة لكتابي مثلها فقال الإمامية(١) والشافعية والمالكية والحنابلة: تجب عليها العدة، ولكنّ الشافعية والمالكية والحنابلة لم يوجبوا عليها الحداد في عدة الوفاة.

وقال الحنفية: لا عدة على غير المسلمة المتزوجة بغير المسلم. (ميران الشعراني باب العدد والاستبراء).

زوجة المفقود:

الغائب على حالين، أحداهما: أن تكون غيبته غير منقطة بحيث يُعرف موضعه، ويأتي خبره، وهذا لا يحلّ لزوجته أن تتزوج بالاتفاق.

____________________

(١) قال في الجواهر ج٥ باب العدد: (عدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة بلا خلاف محقّق أجده؛ لإطلاق الأدلة، وصريح السراج عن الصادق قلت له: النصرانية مات زوجها، وهو نصراني ما عدّتها؟ قال: (عدّتها أربعة أشهر وعشرة).

الحال الثانية: أن ينقطع خبره، ولا يُعلم موضعه، وقد اختلف أئمة المذاهب في حكم زوجته:

قال أبو حنيفة والشافعي في القول الجديد الراجح، وأحمد في إحدى روايتيه: إنّ زوجة هذا المفقود لا تحلّ للأزواج حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها غالباً، وحدَّها أبو حنيفة بمئة وعشرين سنة، والشافعي وأحمد بتسعين.

وقال مالك: تتربص أربع سنوات، ثمّ تعتد بأربعة أشهر وعشرة، وتحلّ بعدها للأزواج.

وقال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ القولين: إذا قدم زوجها الأوّل وقد تزوجت، يبطل الزواج الثاني وتكون للزوج الأوّل.

وقال مالك: إذا جاء الأوّل قبل أن يدخل الثاني فهي للأوّل، وإن جاء بعد الدخول تبقى للثاني، ولكن يجب عليه أن يدفع الصداق للأوّل.

وقال أحمد: إن لم يدخل بها الثاني فهي للأوّل، وإن دخل يكون أمرها بيد الأوّل، فإن شاء أخذها من الثاني ودفع له الصداق، وإن شاء تركها له وأخذ منه الصداق. (المغني ج٧، ورحمة الأُمة)(١) .

وقال الإمامية: إنّ المفقود الذي لا يُعلم موته ولا حياته يُنظر، فإن كان له مال تنفق منه زوجته، أو كان له ولي ينفق عليها، أو وجد متبرع بالإنفاق وجب على زوجته الصبر والانتظار، ولا يجوز لها أن تتزوج بحال حتى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه، وإن لم يكن له مال ولا مَن ينفق عليها فإن صبرت فبها، وإن أرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين من حين رفع الأمر إليه، ثمّ يفحص عنه

____________________

(١) هذا إذا لم ترفع أمرها إلى القاضي، أمّا إذا تضررت من غياب الزوج وشكت أمرها إلى القاضي طالبة التفريق فقد أجاز أحمد ومالك طلاقها، والحال هذه، ويأتي الكلام في فصل طلاق القاضي.

في تلك المدة، فإن لم يتبين شيء ينظر، فإن كان للغائب وليّ يتولى أموره أو وكيل، أمره الحاكم بالطلاق، وإن لم يكن له وليّ ولا وكيل، أو كان ولكن امتنع الولي أو الوكيل من الطلاق، ولم يمكن إجباره طلّقها الحاكم بولايته الشرعية، وتعتد بعد هذا الطلاق بأربعة أشهر وعشرة، ويحلّ لها بعد ذلك أن تتزوج.

وكيفية الفحص: أن يسأل عنه في مكان وجوده، ويستخبر عنه القادمون من البلد الذي يُحتمل وجوده فيه. وخير وسيلة للفحص أن يستنيب الحاكم مَن يثق به من المقيمين في محل السؤال، ليتولى البحث عنه، ثمّ يكتب للحاكم بالنتيجة. ويكفي من الفحص المقدار المعتاد، ولا يُشترط السؤال في كل مكان يمكن أن يصل إليه، ولا أن يكون البحث بصورة مستمرة. وإذا تم الفحص المطلوب بأقلّ من أربع سنوات بحيث نعلم أنّ متابعة السؤال لا تجدي يسقط وجوب الفحص، ولكن لا بدّ من الانتظار أربع سنوات عملاً بظاهر النص، ومراعاة للاحتياط في الفروج، واحتمال ظهور الزوج أثناء السنوات الأربع.

وبعد هذه المدة يقع الطلاق، وتعتد أربعة أشهر وعشرة، ولكن لا حداد عليها، وتستحق النفقة أيام العدة، ويتوارثان ما دامت فيها، وإذا جاء الزوج قبل انتهاء العدة فله الرجوع إليها إن شاء، كما أنّ له إبقاءها على حالها، وإن جاء بعد انتهاء العدة، وقبل أن تتزوج فالقول الراجح أنّه لا سبيل له عليها، وبالأولى إذا وجدها متزوجة(١) .

____________________

(١) الجواهر وملحقات العروة للسيد كاظم والوسيلة للسيد أبو الحسن وغيرها من كتب الفقه للإمامية، ولكن أكثر التعبير لصاحب الوسيلة؛ لأنّه أجمع وأوضح.

أحكام العدة:

نقلنا في باب النفقة على أنّ المعتد من طلاق رجعي تستحق النفقة، ونقلنا أيضاً الاختلاف في المعتدة من طلاق بائن. ونتكلم هنا في مسائل:

التوارث بين المطلِّق والمطلَّقة:

اتفقوا على أنّ الرجل إذا طلّق امرأته رجعياً لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة، سواء أكان الطلاق في مرض الموت أو في حال الصحة، ويسقط التوارث بانقضاء العدة. واتفقوا أيضاً على عدم التوارث إن طلّقها طلاقاً بائناً في حال الصحة.

طلاق المريض:

واختلفوا فيما إذا طلّقها بائناً، ثمّ مات في مرضه الذي مات فيه، فقال الحنفية: ترثه هي ما دامت في العدة، بشرط أن يعتبر الزوج فاراً من ميراثها، وأن لا يكون الطلاق برضاها، ومع انتفاء أحد هذين الشرطين لا تستحق الميراث.

وقال الحنابلة: ترثه ما لم تتزوج، وإن خرجت من العدة وطالت المدة.

وقال المالكية: ترثه وإن تزوجت.

ونقل عن الشافعي أقوال ثلاثة، أحدها: إنّها لا ترث، حتى ولو مات وهي في العدة، تماماً كالمطلّقة بائناً في الصحة.

ويُلاحَظ أنّ غير الإمامية تكلموا عن طلاق المريض إذا وقع بائناً فقط، أمّا الإمامية فإنّهم قالوا: إذا طلّقها مريضاً ترثه هي، سواء أكان الطلاق رجعياً أو بائناً بشروط أربعة:

١ - أن يموت قبل أن تمضي سنة كاملة على طلاقها، فلو مات بعد السنة بساعة لا ترثه.

٢ - أن لا تتزوج قبل موته، فاذا تزوجت ثمّ مات في أثناء السنة فلا شيء لها.

٣ - أن لا يبرأ من المرض الذي طلّقها فيه، فلو برئ من هذا المرض ثمّ مات في أثناء السنة لم تستحق الميراث.

٤ - أن لا يكون الطلاق بطلب منها.

أين تعتد المطلَّقة؟

اتفقوا على أنّ المطلّقة رجعياً تعتد في بيت الزوج، فلا يجوز له إخراجها، كما لا يجوز لها أن تخرج منه، واختلفوا في المطلّقة بائناً، فقال الأربعة: تعتد في بيت الزوج كالمطلّقة الرجعية من غير فرق؛ لقوله تعالى:( ولاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) .

وقال الإمامية: إنّ أمر البائنة بيدها تعتد في أي مكان تشاء؛ لانقطاع العصمة بينها وبين الزوج، وانتفاء التوارث بينهما، وعدم استحقاقها النفقة إلاّ إذا كانت حاملاً؛ وعليه فلا يحق احتباسها، وخصصوا الآية الكريمة بالرجعيات، وفي ذلك أحاديث عن أئمة أهل البيت.

زواج الأخت في عدة أختها:

إذا تزوج الرجل امرأة حرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها، فإذا توفيت أو طلّقها وانتهت العدة حل له العقد على أختها. وهل يحلّ له أن يعقد على أخت المطلّقة قبل أن تنتهي عدتها؟ اتفقوا على تحريم العقد على أخت المطلّقة قبل انتهاء العدة إذا كان الطلاق رجعياً، واختلفوا إذا طُلّقت بائناً:

قال الحنفية والحنابلة: لا يحلّ العقد على الأخت، ولا الخامسة إذا كان عنده أربع، وطلّق واحدة منهن إلاّ بعد انتهاء العدة رجعياً كان الطلاق أم بائناً.

وقال الإمامية والمالكية والشافعية: يجوز العقد على الأخت والخامسة قبل أن تنتهي عدة المطلّقة طلاقاً بائناً.

هل يقع الطلاق بالمعتدة؟

قال الأربعة: إذا طلّقها رجعياً فله أن يطلّقها ثانية ما دامت في العدة دون أن يراجعها، وليس له ذلك إذا كان الطلاق بائناً. (المغني ج٧ باب الخلع وباب الرجعة، والفقه على المذاهب الأربعة مبحث شروط الطلاق).

وقال الإمامية: لا يقع الطلاق بالمعتدة بائنة كانت أم رجعية إلاّ بعد أن يراجعها، اذ لا معنى لطلاق المطلّقة.

0 comments:

Post a Comment

Highlights

Copyright © FIQH: Comparative Islamic Law All Right Reserved