Sponsor

Breaking News
Loading...

المـَواريث

المـَواريث
أحكام التركة

التركة:

المراد بتركة الميت الأشياء التالية:

١ - ما ملكه قبل الموت عيناً كان أو ديناً، أو حقاً مالياً - كحق التحجير - كما لو قصد إحياء أرض موات فحجرها بحائط ونحوه، فيكون أولى بها من غيره، أو حق الخيار في بيع أو شراء، أو حق الشفعة، أو القصاص والجناية إذا كان ولياً عن المقتول، كما لو قتل ولده شخص، ثمّ مات القاتل قبل الاستيفاء منه، فإنّ حق القصاص ينقلب مالاً يؤخذ من تركة القاتل تماماً كالدين.



٢ - ما يملكه بالموت، كالدية خطأً أو عمداً، كما إذا أخذ الأولياء الدية من القاتل بدلاً عن القصاص، فحكم الدية حكم سائر الأموال يرث منها الجميع، حتى الزوج والزوجة(١) .

٣ - ما يملكه بعد الموت، كالصيد الواقع في الشبكة التي نصبها في حياته، وكما إذا كان مديوناً فأبراه صاحب الدين بعد مماته، أو

____________________

(١) قال صاحب الجواهر: إنّ المشهور بين فقهاء الإمامية عدم توريث مَن يتقرب بالأُم من دية الخطأ والعمد، أمّا القصاص فيرثه مَن يرث المال عدا الزوج والزوجة، ولكنّهما يرثان دية القصاص.
تبرع متبرع بوفاء ديونه، أو جنى عليه جانٍ بعد موته، فقطع يده أو رجله، فأخذ منه الدية، كل هذه تُحسب من التركة(١) .

الحقوق المتعلقة بالتركة:

يتعلق بتركة الميت حقوق متنوعة، منها ما يخرج من الثلث، وتقدّم الكلام عنها في باب الوصية. ومنها ما يخرج من الأصل، وهي أيضاً على أنواع: فإن وفى بها المال نفذت بكاملها، وما يفضل عنها وعن الوصية فللورثة بالاتفاق، وإن ضاق المال عن جميعها يُقدّم الأهم على المهم، فإن بقي شيء بعد استيفاء السابق بُدئ باللاحق، وإلاّ اختصر التنفيذ على المتقدم. واختلفوا في كيفية ترتيب الحقوق وتعيين الأهم منها:

قال الإمامية: يُبتدأ أوّلاً وقبل كل شيء بالتجهيز الواجب من ثمن الكفن، وتكاليف الغسل، وأجرة الحمل والحفر إن دعت الحاجة إليها، أوصى بذلك أو لم يوصِ، فتجهيز الميت عندهم مقدم على الديون، سواء أكانت حقاً لله أم حقاً للناس، وممّا استدلوا به رواية السكوني عن الإمام جعفر الصادق: (أوّل شيء يبدأ به من المال الكفن، ثمّ الدين، ثمّ الوصية، ثمّ الميراث). واختلف فقهاء الإمامية فيما بينهم في صورة ما لو تعلق حق الغير بعين التركة، كما إذا مات عن عين بعد أن رهنها عند زيد، وكانت كل ما يملك، فذهب جماعة منهم إلى أنّ حق التجهيز مقدّم على حق الرهانة؛ لإطلاق الروايات، ومنها رواية السكوني المتقدمة التي لم تفرق بين المال المرهون وغير المرهون، وذهب آخرون إلى أنّ حق الرهانة مقدّم؛ لأنّ صاحب المال ممنوع شرعاً

____________________

(١) سفينة النجاة للشيخ أحمد كاشف الغطاء باب الوصايا.
من التصرف في المرهون، والممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً(١) .

وبعد التجهيز يبدأ بوفاء الدين، سواء أكان للناس، أم لله، كالخمس والزكاة والكفارات ورد المظالم(٢) وحجة الإسلام، وما إلى ذلك من الحقوق المالية الإلهية وغير الإلهية، فإنّها جميعاً في مرتبة واحدة، فإذا لم يفِ المال وزِّع على الجميع بالنسبة تماماً كغرماء المفلس(٣) ، ولا يُستثنى من ذلك إلاّ الخمس والزكاة إذا تعلقا بعين النصاب الموجودة بالفعل، فيقدمان - والحال هذه - على غيرهما، أمّا إذا كانا في الذمة فحالهما كحال سائر الديون.

وتتفق المذاهب الأربعة مع الإمامية على أنّ التجهيز يقدّم على الديون التي تتعلق بالتركة قبل الوفاة، ثمّ اختلف الأربعة فيما بينهم في تقديم التجهيز على الديون المتعلقة بالتركة، كالعين التي رهنها المالك قبل موته، قال الحنفية والمالكية والشافعية: إنّ الحقوق المتعلقة بأعيان التركة تُقدّم على التجهيز. (حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم ج١ فصل الميت، وأبو زهرة الميراث عند الجعفرية ص٤٠ طبعة ١٩٥٥).

____________________

(١) هذا دليل السيد الحكيم في المستمسك باب كفن الميت. وقال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب (الميراث عند الجعفرية): (يظهر في هذه الحال أنّ حق الدائنين حق عيني يسبق كل الحقوق)، ينسب الشيخ بعبارته هذه إلى الإمامية الاتفاق على تقديم حق الرهانة على التجهيز، مع أنّ المسألة خلافية بينهم، ولا شهرة لأحد القولين حتى تصحّ نسبة الاتفاق.

(٢) تفترق أموال المظالم عن المغصوب: إنّ المظالم أن يختلط المال الحرام بغيره ولا يمكن تمييزه مع الجهل بصاحبه، والمغصوب معلوم مالكه. وتفترق المظالم عن مجهول المالك: إنّ مجهول المالك لا يُشترط فيه الجهل بالمال والاختلاط بالغير، وحكم المظالم التصدق بها عن صاحبها بعد اليأس من معرفته.

(٣) قال السيد الحكيم في الجزء السابع من مستمسك العروة مسألة ٨٣: (هذا - أي التوزيع بالنسبة - هو المعروف بيننا، وتقتضيه قاعدة الترجيح بلا مرجح)، وقول الرسول: (دين الله أحق أن يُقضى) لا يراد منه التفضيل، بل مجرد البيان بأنّ حق الله يجب قضاؤه ولا يجوز إهماله.
وقال الحنابلة: يقدّم التجهيز على جميع الحقوق والديون، ولو برهن وإرش الجناية وغيرهما. (التنفيح في فقه الحنابلة ص٧١ المطبعة السلفية).

وإجمالاً يقدّم التجهيز على الديون غير المتعلقة بأعيان التركة عند الجميع، وتُقدّم الديون المتعلقة بالتركة على التجهيز عند الحنفية والشافعية والمالكية، ويقدّم التجهيز في هذه الصورة عند الحنابلة، أمّا الإمامية فمنهم مَن وافق الثلاثة، ومنهم مَن وافق الحنابلة.

الورثة وتركة الميت:

اتفقوا على أنّ التركة تنتقل إلى ملك الورثة بمجرد الموت إذا لم يكن هناك دين ولا وصية، كما اتفقوا أيضاً على انتقال ما زاد على الدين والوصية إلى الورثة. واختلفوا فيما يساوي الدين والوصية من التركة: هل ينتقل إلى الورثة أم لا؟

قال الحنفية: إنّ الجزء الذي تساوي قيمته مقدار الدين لا يدخل في ملك الورثة، وعليه فإذا كانت مستغرقة بالدين فالورثة لا يملكون شيئاً منها، ولكنّ لهم حق استخلاصها من الدائن بسداد ما عليها من الدين، وإذا لم تكن التركة مستغرقة بالدين فيملكون منها ما لا يقابل الدين.

وقال الشافعية وجمهور الحنابلة: إنّ ملكية الورثة تثبت في التركة المدينة، سواء أكان الدين يقابل جميع التركة أو بعضها، إلاّ أنّ الدين يتعلق بها جميعاً، وهي ضامنة له. (أبو زهرة الميراث عند الجعفرية).

واختلف الإمامية فيما بينهم، فذهب أكثر فقهائهم إلى أنّ التركة تنتقل إلى الورثة في الدين المستغرق لها وغير المستغرق، وأنّ الدين يتعلق بها بنحو من الأنحاء، إمّا كتعلق حق الرهانة، وإمّا كتعلق حق الجناية القائم بالعبد الجاني، وإمّا تعلقاً مستقلاً لا يشبه هذا ولا ذاك. وعلى أيّة
حال فالدين لا يمنع من أصل الميراث، وإنّما يُمنع من التصرف فيما يقابل الدين، وهذا قريب من رأي الشافعية. (الجواهر، والمسالك باب الميراث).

وتظهر فائدة الخلاف في النماء المتخلل بين الوفاء ووفاء الدين، فعلى قول الشافعية والحنابلة وأكثر الإمامية يكون النماء للورثة، يتصرفون فيه دون معارض من أصحاب الدين وغيرهم، وعلى رأي الحنفية يكون النماء تابعاً للتركة في تعلق الديون المتعلقة به.
الموجبات والموانع

الموجبات:

القرابة، والنكاح بعقد صحيح، والولاء. ولنا أن نُرجع هذه الموجبات إلى أمرين فقط، إلى سبب ونسب، فالنسب: هو القرابة، والسبب: يشمل النكاح والولاء. والولاء: رابطة بين شخصين تجعل بينهما لحمة كلحمة النسب، فمن اعتق عبده يصبح مولى له، ويرث إن لم يكن للعبد المعتَق وارث، ونترك الحديث عن الولاء بشتى معانيه وأقسامه؛ لأنّه لا وجود له اليوم، ونتكلم عن الموجبين الآخرين:

وتتحقق القرابة بعلاقة الولادة الشرعية بين شخصين، أمّا بانتهاء أحدهما إلى الآخر، كالآباء وإن علو، والأبناء وإن نزلوا، وأمّا بانتهائهما إلى ثالث، كالإخوة والأعمام والأخوال. والولادة الشرعية تشمل الزواج الشرعي، والنكاح بشبهة. أمّا الزوجية فلا تتحقق إلاّ بعقد صحيح بين الرجل والمرأة. ولا خلاف في ثبوت التوارث بين الزوجين، وإنّما الخلاف في توريث بعض الأقارب، فقد نفاهم الشافعية والمالكية من الميراث كلية، واعتبروهم تماماً كالأجانب، وهم:
ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وولد الإخوة من الأُم، والعمات من جميع الجهات، والعم من الأُم، والأخوال والخالات، وبنات الأعمام، والجد أبو الأم، فإذا مات إنسان ولا قريب له إلاّ واحد من هؤلاء تكون تركته لبيت المال، ولا يُعطون شيئاً عند الشافعي والمالكي؛ لأنّهم ليسوا من ذوي الفروض، ولا من العصبات. (المغني ج٦ ص ٢٢٩ الطبعة الثالثة).

وذهب الحنفية والحنابلة إلى توريثهم في حالة خاصة، وهي إذا فُقد أصحاب الفروض والعصبات.

وقال الإمامية بتوريثهم بدون هذا القيد، ويأتي التفصيل:

موانع الإرث:

اتفقوا على أنّ موانع الإرث ثلاثة: اختلاف الدِّين، والقتل، والرق. ونهمل الكلام عن الرق، ونتكلم عن المانعين الآخرين.

اختلاف الدِّين:

اتفقوا على أنّ غير المسلم لا يرث المسلم(١) . واختلفوا هل يرث المسلم من غير المسلم؟

قال الإمامية: يرث.

وقال الأربعة: لا يرث.

وإذا كان أحد أبناء الميت أو أقاربه غير مسلم، ثمّ أسلم بعد موت

____________________

(١) المسلم يعمّ جميع أهل القبلة، فالسنّي يرث الشيعي وبالعكس بنص الكتاب والسنّة والإجماع، بل هذا الحكم من ضرورات الدين تماماً كوجوب الصوم والصلاة.
المورِّث وبعد قسمة التركة بين الورثة فلا يرث بالاتفاق، واختلفوا إذا أسلم بعد الموت وقبل القسمة: هل يرث أو لا؟

قال الإمامية والحنابلة: يرث.

وقال الشافعية والمالكية والحنفية: لا يرث.

وقال الإمامية: إذا كان الوارث المسلم واحداً يختص بالإرث، ولا ينفع إسلام مَن أسلم في استحقاق الإرث.

المرتد:

والمرتد عن دين الإسلام لا يرث عند الأربعة، سواء أكان ارتداده عن فطرة أم عن ملّة(١) ، إلاّ أن يرجع ويتوب قبل القسمة. (المغني ج٦).

وقال الإمامية: المرتد عن فطرة إذا كان رجلاً يُقتل ولا يُستتاب، وتعتدّ امرأته عدة الوفاة من حين الارتداد، وتُقسّم تركته وإن لم يُقتل، ولا تُقبل توبته بالنسبة إلى فسخ الزواج وتقسيم التركة ووجوب القتل، وتُقبل في الواقع وعند الله، وبالنسبة إلى الأمور الأخرى من طهارة بدنه وصحة عبادته، كما أنّه يملك بعد التوبة الأموال الجديدة بسبب العمل والتجارة والإرث.

أمّا المرتد عن ملّة فإنّه يُستتاب، فإن تاب فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وإلاّ قُتل، وتعتدّ زوجته من حين الارتداد عدة الطلاق، فإن تاب في العدة رجعت إليه، ولا تُقسّم تركته حتى يُقتل أو يموت.

أمّا المرأة فلا تُقتل، سواء أكان ارتدادها عن فطرة أم عن ملّة، بل

____________________

(١) المرتد عن فطرة: مَن ولِد مسلماً ثمّ رجع عن الإسلام. والمرتد عن ملّة: مَن ولِد كافراً فأسلم وبعد الإسلام رجع عنه.
تُحبس، وتُضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت، ولا تُقسّم تركتها إلاّ بعد الموت. (وسيلة النجاة للسيد أبو الحسن، وسفينة النجاة للشيخ أحمد كاشف الغطاء باب الإرث).

ميراث أهل الملل:

قال المالكية والحنابلة: لا يرث أهل الملل بعضهم من بعض، فلا يرث اليهودي من النصراني، ولا النصراني من اليهودي، وكذا مَن عداهما من أهل الأديان المختلفة.

وقال الإمامية والحنفية والشافعية: بل يرث بعضهم من بعض؛ لأنّهم ملّة واحدة، كلهم غير مسلمين. ولكنّ الإمامية اشترطوا في إرث غير المسلم من مثله عدم وجود الوارث المسلم، فإن وجِد وإن كان بعيداً يحجب غير المسلم وإن كان قريباً، وهذا الشرط غير معتبر عند الأربعة؛ لأنّ المسلم عندهم لا يرث غير المسلم، كما قدّمنا. (غاية المنتهى ج٢، وميزان الشعراني، والجواهر والمسالك).

الغلاة:

اتفق المسلمون كلمة واحدة على أنّ الغلاة مشركون ليسوا من الإسلام والمسلمين في شيء، ولكنّ الإمامية بوجه خاص تشددوا في أمر الغلاة إلى أقصى الحدود؛ لأنّ الكثير من أخوانهم السنّة قد حملوهم أوزار الغلاة ظلماً وعدواناً، فقد صرح علماء الإمامية في كتب العقائد والفقه بكفر الغلاة، من ذلك ما جاء في كتاب (شرح عقائد الصدوق) للشيخ المفيد ص٦٣ طبعة ١٣٧١ﻫ، قال: (الغلاة المتظاهرون بالإسلام هم الذين نسبوا علياً أمير المؤمنين والأئمة من ذرّيته إلى الإلوهية والنبوة،
ووضعوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد، وهم ضلاّل كفّار حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار، وقضت عليهم الأئمة بالإكفار والخروج عن الإسلام).

وذكروهم في كتب الفقه في باب الطهارة، حيث حكموا بنجاستهم، وذكروهم أيضاً في باب الزواج، حيث قالوا بعدم جواز تزويجهم والزواج منهم، مع أنّهم أجازوا الزواج بالكتابيات، وذكروهم في باب الجهاد، حيث جعلوهم من المشركين - في حالة الحرب - كيف اتفق، كإلقاء النار عليهم وقذفهم بها، وذكروهم في باب الإرث، حيث منعوهم من ميراث المسلمين(١) .

منكِر الضرورة:

اتفقوا على كفر مَن أنكر شيئاً ثابتاً ومعلوماً من الدين بالضرورة - فقال للحرام: هذا حلال، وللحلال: هذا حرام - ودان بذلك فعندها يخرج من الإسلام ويدخل في الكفر، ومن هذا الباب مَن كفّر مسلماً.

ومن الخير أن نشير هنا إلى أمرين ذكرهما بنحو التفصيل الشيخ المتبحر شيخ علماء الإمامية أغا رضا الهمداني في الجزء الأوّل من (مصباح الفقيه).

____________________

(١) والذي أعتقده أنّه لا وجود اليوم لمن يؤلّه علياً وأولاده، وأنّ هذه الطائفة قد بادت، وأنّي زرت بنفسي بلاد العلويين في سورية الذين اتُّهِموا بهذا الافتراء، ومكثت بينهم أياماً، وتنقلت في بلادهم من قرية إلى أخرى، فرأيتهم يقيمون شعائر الإسلام كأيّ بلد مسلم دون أدنى تفاوت، ومإذا نقول لمن يُعلن على المآذن في أوقات الصلاة: (لا إله إلاّ الله، محمد رسول لله)؟ أليس نفي الإلوهية عمّن عدا الله سبحانه يتنافى مع القول بإلوهية غيره؟! فكيف إذن تصحّ نسبة الغلوّ إليهم؟! وقال الله سبحانه:( وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) (٩٣ النساء).
الأمر الأوّل: لو أنّ إنساناً أظهر الإسلام ونطق بالشهادتين ولم نعلم هل أظهر ذلك رياءً بدون إيمان واعتقاد، أو نطق بهما مؤمناً؟ لو كان الأمر كذلك يُحكم بإسلامه من غير خلاف، أمّا إذا علمنا بكذبه وأنّه لا يؤمن بالله ولا بالرسول، وإنّما أظهر الإسلام رياءً ونفاقاً لمأرب خاص، فهل نرتّب عليه آثار الإسلام؟

ويتلخص قول الشيخ بأنّ لهذا المنافق واقعاً وظاهراً، فواقعه غير مسلم وظاهره الإسلام، وعلينا أن نترك أمر الواقع لله سبحانه، وليس من شكّ أنّه يعامله معاملة غير المسلم؛ لأنّ المفروض أنّه كذلك واقعاً، أمّا نحن معاشر المسلمين فنأخذ بالظاهر فنخالطه مخالطة المسلمين من المناكحة والتوارث؛ لأنّنا مأمورون بذلك، فقد جاء في الحديث: (مَن قال لا إله إلاّ الله حُقِن دمه وماله) أي يجري عليه حكم الإسلام، سواء علمنا بصدقه أو بكذبه أو شككنا، ويشهد بذلك معاملة الرسول مع المنافقين كمعاملته مع سائر المسلمين، مع أنّه على علم بنفاقهم.

الأمر الثاني: إنّ السر لإجماع المسلمين على كفر مَن أنكر حكماً ضرورياً هو أنّ هذا الإنكار يستدعي إنكار رسالة الرسول بالذات، ويتفرع عن ذلك أنّ المنكِر إذا تنبّه إلى أنّ إنكاره مستلزم لإنكار نبوة محمد ورسالته يكون غير مسلم بلا شك، وأمّا إذا لم يتنبّه إلى ذلك وكان غافلاً عنه بالمرة، أو كان معتقداً أنّ إنكاره لا يستدعي إنكار النبوة فهل يكون غير مسلم؟

ويتلخص جواب الشيخ بأنّ لهذا الغافل حالات، فتارة تنشأ غفلته عن انهماكه في المعاصي وعدم مبالاته بالحرام، كمن داوم على الزنا من يومه الأوّل واستمر إلى الكهولة، وتولّد عن هذا الاستمرار الاعتقاد بحلّه وعدم حرمته، وهذا كافر قطعاً.

وتارة تنشأ غفلته عن تقليد مَن لا يجوز تقليده والأخذ بقوله، وهذا
غير مسلم أيضاً، حتى ولو اعتقد أنّ إنكاره لا يستدعي إنكار الرسالة(١) .

وثالثاً لا يكون سبب الغفلة أحد هذين، بل كان ذهوله ناشئاً عن عدم الانتباه لمقام الرسالة، بحيث إذا تنبّه إليها رجع عن إنكاره، وهذا مسلم بلا ريب؛ لأنّه أشبه بمن أنكر على الرسول أمراً وهو يجهله، ولما عرف أنّه الرسول رجع وأناب.

وهناك حالات أخرى ذكرها صاحب مصباح الفقيه تركناها لضيق المقام، ومَن أحبّ التفصيل فليرجع إلى المجلد الأوّل من الكتاب المذكور.

القتل:

اتفقوا على أنّ القتل عمداً بغير حق يمنع من الإرث؛ لحديث: (لا ميراث للقاتل)، ولأنّه تعجّل الميراث فعومل بخلاف قصده، واختلفوا فيما عدا ذلك:

قال الإمامية: مَن قتل قريبه قصاصاً أو دفاعاً عن نفسه، أو بأمر الحاكم العادل، وما إلى ذاك من المسوغات الشرعية، فالقتل - والحال هذه - لا يمنع من الإرث، وكذلك القتل خطأ غير مانع(٢) .

وقال صاحب الجواهر: (عمد الصبي والمجنون بحكم الخطأ، كما أنّ الخطأ يشمل شبه العمد)، ومثال شبه العمد أن يضرب أبٌ ولدَه بقصد التأديب فيموت بسبب الضرب. وقال السيد أبو الحسن الأصفهاني في الوسيلة: (بعض التسبيبات التي قد يترتب عليها التلف: كحفر البئر في الطريق إذا وقع القريب فيها يرث الحافر من قريبه وإن وجب عليه الضمان ودفع الدية)؛ وعلى هذا فلا مانعة جمع بين دفع الدية واستحقاق الإرث.

____________________

(١) هذا إذا كان قادراً على تحصيل الواقع وأهمل، أمّا العاجز فمعذور.

(٢) نقل صاحب الجواهر عن كثير من فقهاء الإمامية منع القاتل خطأ من الدية خاصة دون باقي التركة.
وذهب كل واحد من الأئمة الأربعة في ذلك إلى رأي: فرأي الإمام مالك يتفق مع الإمامية. ورأي الإمام الشافعي: إنّ قتل الخطأ يمنع من الإرث كقتل العمد، وكذا إذا كان القاتل مجنوناً أو صبياً. ورأي الإمام أحمد: إنّ القتل المانع من الإرث هو القتل الذي يوجب عقوبة ولو مالية، فيخرج القتل بحق، فمن قتل قصاصاً أو دفعاً عن النفس أو قتل العادلُ الباغيَ في الحرب فإنّه يرثه. ورأي الإمام أبي حنيفة: إنّ القتل المانع من الإرث هو الذي يوجب قصاصاً أو دية أو كفارة، ويدخل في ذلك قتل الخطأ، ولا يدخل القتل بالتسبيب، ولا قتل المجنون والصغير. (المغني ج٦، وأبو زهرة في ميراث الجعفرية).
٥٠٥

توزيع التركة

أشرنا فيما سبق إلى أنّ الإرث يكون بالزواج وبالقرابة، ولا خلاف في أنّ الزوجين يشاركان جميع الورثة، وأنّ للزوج الربع مع الولد والنصف عند فقده، وأنّ للزوجة الثمن معه والربع عند عدمه، وإنّما الخلاف في ولد البنت: هل هو في حكم الولد للصلب، ويحجب أحد الزوجين عن نصيبه الأعلى إلى نصيبه الأدنى، أو أنّ وجود ولد البنت وعدمه سواء؟ وياتي التفصيل في ميراث الزوجين.

وأيضاً لا خلاف في أنّه يبدأ أوّل ما يبدأ في توزيع التركة بأصحاب الفروض المقدّرة في كتاب الله، وأنّ الفروض ستة لا غير، وإنّما الخلاف في عدد أصحابها المستحقين لها، وفيمن يستحق الفاضل عن الفروض.

وأيضاً اختلفوا في إرث أولاد البنت والعمات والأعمام لأُم والأخوال والخالات والجد لأُم، وأشرنا فيما سبق أنّ هؤلاء من ذوي الأرحام عند الأربعة، وحكمهم يختلف عن حكم أصحاب الفروض والعصبات.
الفروض وأصحابها:

الفرض: هو السهم المقدّر في كتاب الله، والسهام المقدّرة فيه ستة بالاتفاق: النصف، والربع، والثُمن، والثلثان، والسدس، وبعضهم اختصر التعبير، وقال: الثلث والربع، وضعف كل ونصفه.

والنصف (للبنت الواحدة) إذا لم يكن معها ابن، وبنت الابن كالبنت الصلبية عند الأربعة، وكأبيها عند الإمامية. ويُعطى النصف أيضاً (للأخت الواحدة) لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك، و(للزوج) إذا لم يكن للزوجة ولد.

والربع (للزوج) إذا كان للزوجة ولد، و(للزوجة) إذا لم يكن للزوج ولد.

والثُمن (للزوجة) إذا كان للزوج ولد.

والثلثان (للبنتين) فأكثر مع عدم وجود أولاد ذكور، و(للأختين) فأكثر لأبوين أو لأب مع وجود الأخ كذلك.

والثلث (للأُم) مع عدم وجود الولد الذكر للميت، ولا أخوة يحجبونها عمّا زاد عن السدس بالتفصيل الآتي، و(للاثنين) فصاعداً من الإخوة والأخوات من الأُم.

والسدس (للأب) مع الولد، و(للأُم) كذلك أو مع وجود الإخوة للميت، و(للأخ أو الأخت) للأُم مع عدم التعدد. وتوريث السدس لهؤلاء الثلاثة بالفرض محل وفاق، وزاد الأربعة توريث السدس بالفرض (لبنت ابن) فأكثر مع بنت صُلبية، فإذا كان للميت بنت وبنت ابن أخذت الأُولى النصف، والثانية السدس، فإذا كان له بنتان فأكثر وبنت ابن تُحرَم بنت الابن من الميراث إلاّ أن يكون مع بنت الابن غلام بحذائها، كما لو كان أخاها أو أسفل منها، كما لو كان ابن أخيها، أي ابن ابن ابن الميت. وأيضاً يُعطى السدس (للجد)
لأب مع عدم وجود الأب، و(للجدة) تماماً كالأُم، وإنّما ترث الجدة ذلك إذا كانت أُم الأُم أو أُم الأب أو أُم أب الأب، فإذا كانت أُم أب الأُم فإنّها لا ترث، وإذا اجتمع جدتان متحاذيتان كأُم الأُم وأُم الأب فالسدس بينهما على السوية(١) .

ثمّ إنّ الفروض يجتمع بعضها مع بعض، فالنصف يجتمع مع مثله كزوج وأخت، لكل منهما النصف، ويجتمع مع الربع كزوج وبنت، لها النصف وله الربع، ويجتمع مع الثمن كزوجة وبنت، للأُولى الثمن وللثانية النصف، ومع الثلث كزوج وأُم مع عدم الحاجب، له النصف ولها الثلث، ويجتمع مع السدس كزوج وواحد من كلالة الأُم، للزوج النصف وللكلالة السدس.

ويجتمع الربع مع الثلثين كزوج وبنتين، له الربع ولهما الثلثان، ويجتمع مع الثلث كزوجة ومتعدد من كلالة الأُم، للزوجة الربع وللكلالة المتعددة الثلث، ويجتمع أيضاً مع السدس كزوجة ومتحد من كلالة الأُم، للزوجة الربع وللكلالة السدس.

والثُمن يجتمع مع الثلثين كزوجة وبنتين، للزوجة الثُمن وللبنتين الثلثان، ويجتمع مع السدس كزوجة وأحد الأبوين مع الولد.

والثلثان يجتمعان مع الثلث كأختين فصاعداً لأب مع الإخوة لأُم، ويجتمعان مع السدس كبنتين وأحد الأبوين.

ويجتمع السدس مع السدس كالأبوين مع الولد، ولا يجتمع ربع وثُمن، ولا ثُمن وثلث، ولا ثلث وسدس.

____________________

(١) الميراث في الشريعة الإسلامية لعبد المتعال الصعيدي ص١٤ الطبعة الخامسة.

العُصبات:

العصبات النسبية(١) ثلاثة أنواع: عُصبة بنفسها، وعُصبة بغيرها، وعُصبة مع غيرها.

أمّا العصبة بالنفس فكل ذَكَر لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى، ومعنى العصوبة بالنفس: إنّها لا تفتقر إلى الغير، وإنّ صاحبها عاصب في جميع الصور والحالات. أمّا العصوبة بالغير ومع الغير فيكون صاحبها عاصباً في حالة دون أخرى، كما يتبين فيما يأتي. والعصوبة بالنفس أقرب العصبات، ويرث أهلها على الترتيب التالي:

الابن.

ثمّ ابن الابن وإن نزل فإنّه يقوم مقام أبيه.

ثمّ الأب.

ثمّ الجد لأب وإن علا.

ثمّ الأخ لأبوين.

ثمّ الأخ لأب.

ثمّ ابن الأخ لأبوين.

ثمّ ابن الأخ لأب.

ثمّ العم لأبوين.

ثمّ العم لأب.

ثمّ ابن العم لأبوين.

ثمّ ابن العم لأب.

وإذا اجتمع بعض هؤلاء مع بعض قُدّم الابن على الأب، بمعنى أنّ الأب يأخذ فرضه وهو السدس، وما بقي يأخذه الابن بالعصبة

____________________

(١) العصبية قسمان: نسبية وسببية، وهي ولاء المعتق وأبنائه.
عند الأربعة، وكذلك يُقدّم ابن الابن على الأب، ويُقدّم الأب على الجد لأب، وقد اختلف في هذا الجد: هل يُقدّم على الإخوة في الميراث أو أنّهم يرثون معه، ويكونون جميعاً في درجة واحدة؟ قال أبو حنيفة: الجد يُقدّم على الإخوة، ولا يرثون معه شيئاً. وقال الإمامية والشافعية والمالكية: يرثون معه؛ لأنّهم في درجته.

ويُقدّم - في العصبات - ذو القرابتين على ذي القرابة الواحدة، فالأخ لأبوين مقدّم على الأخ لأب، وابن الأخ لأبوين أولى من ابن الأخ لأب، وكذا الشأن في الأعمام، ويُعتبر في أصنافهم قرب الدرجة، وتقديم الأقرب فالأقرب، فعم الميت أولى من عم أبيه، وعم أبيه أولى من عم جده.

أمّا العصبة بالغير فأربع من الإناث:

١ - البنت أو البنات.

٢ - بنت ابن أو بنات ابن.

٣ - أخت أو أخوات لأبوين.

٤ - أخت أو أخوات لأب. ومعلوم أنّ جميع هؤلاء يرثن بالفرض إذا لم يكن معهن أخ(١) .

للواحدة النصف ومع التعدد الثلثان، وإذا كان معهن أخ يرثن بالعصبة - عند غير الإمامية - ولكن لا بأنفسهن، بل بأخيهن، ويقتسمن معه للذكر مثل حظ الأنثيين.

أمّا العصبة مع الغير: فالأخت أو الأخوات لأبوين أو لأب مع البنت أو بنت الابن، فالأخت والأخوات يرثن بالفرض إذا لم يكن معهنّ

____________________

(١) البنت والبنات يرثن بالفرض وبالرد عند الإمامية، وكذلك الأخت والأخوات، أمّا بنت الابن أو بنات الابن فإنّهم يأخذن نصيب مَن يتقربن به، وهو الابن.

بنت أو بنت ابن، ويرثن بالعصبة مع البنت أو بنت الابن، فتأخذ البنت أو بنت الابن فرضها، وما بقي تأخذه الأخت أو الأخوات الشقيقات أو لأب، فقد صرن عصبة مع البنت.

وبهذا يتبين أنّ الأخت لأبوين أو لأب لها ثلاث حالات: ترث بالفرض إذا لم يكن معها أخ ولم يكن للميت بنت، وترث بالعصبة بالغير إذا كان معها أخ، وترث بالعصبة مع الغير إذا كان للميت بنت، وكذلك الأخوات، وتبيّن أيضاً أنّ الأعمام لأبوين أو لأب لا يشتركون في الميراث مع البنت إلاّ عند فقد الإخوة والأخوات لأبوين أو لأب.

واتفق الأربعة على أنّ العاصب إذا انفرد عن ذي فرض يأخذ المال بكامله، وإذا اجتمع معه يأخذ ما فضل عن فرضه، وإذا لم يكن عصبة يُعطى الفاضل لبيت المال عند الشافعية والمالكية، ويرد على أصحاب الفروض عند الحنفية والحنابلة، ولا تُعطى التركة لبيت المال إذا لم يكن ذو فرض ولا عصبة ولا ذو رحم.

وأنكر الإمامية الميراث بالعصبة، وحصروه بصاحب الفرض والقرابة دون فرق بين قرابة النساء والرجال، فكما يختص الابن المنفرد بالميراث كذلك تختص به البنت المنفردة والأخت المنفردة، وجعلوا الوارثين ذكوراً وإناثاً على مراتب ثلاث:

الأُولى: الأبوان والأولاد وإن نزلوا.

الثانية: الإخوة والأخوات وإن نزلوا، والأجداد والجدّات وإن علوا من جميع الجهات.

الثالثة: الأعمام والعمات والأخوال والخالات من أيّة جهة وأولادهم(١) .

____________________

(١) وهذه المراتب الثلاث للوارثين طبيعية، إذ لا واسطة بين الميت وبين أبويه وأولاده فيأتون بالمرتبة الأُولى، ويأتي بعدهم مباشرة الإخوة والأجداد، حيث يتصلون بالميت بواسطة واحدة وهي الأب والأُم، فيكونون في المرتبة الثانية، ويتلوها مرتبة الأعمام والأخوال؛ لأنّهم يتصلون بالميت بواسطتين: الجد أو الجدة، والأب أو الأُم، فتكون مرتبتهم في الثالثة.

ومتى وجِد واحد أو واحدة من المرتبة المتقدمة حجب عن الأرث كل مَن كان في المرتبة المتأخرة، وعند سائر المذاهب تتداخل هذه المراتب، ويشترك بعضها مع بعض، وقد تجتمع الثلاث في بعض الحالات، كأُم وأُخت لأُم وعم لأبوين، فللأُم الثلث، وللأخت السدس، وللعم الباقي.
 

0 comments:

Post a Comment

Highlights

Copyright © FIQH: Comparative Islamic Law All Right Reserved